متى تتضح استراتيجية ترمب وشلته؟

د. وائــل شـديـد

استراتيجي وباحث

18 فبراير 2017

منشورة على موقع عربي 21   arabi21.com

متى تتضح استراتيجية ترمب وشلته؟ 

منذ انتخاب الرئيس الأمريكي ترمب، وهو يشغل الأخبار بتصريحاته وتغريداته، أو بتعليقات فريقه المثيرة للجدل؛ من حظر السفر على سبع دول إسلامية إلى موقفهم من العملة الأوربية “اليورو” إلى موقفهم السلبي من الاتحاد الأوروبي. ابتداء فإن الرئيس ترمب يعدّ نموذجا مختلفا عن الرؤساء الأمريكيين السابقين من عدة جوانب نذكر منها أولا: أنه لم يأتي من المجمع الصناعي الذي ما فتئ يؤّثر بالسياسة الأمريكية، وهذا المجمع يشمل بشكل رئيسي قطاعي السلاح والنفط. بينما جاء ترمب من قطاع العقارات والفنادق والترفيه وبالتالي فإن ترمب لا ينتمي إلى هذا المجمع المؤثر تاريخيا في الإدارة الأمريكية، ولا يحمل همومهم ولا أطماعهم، وهم كذلك لا يؤثرون عليه ولا يحمل فكرهم أو توجهاتهم. ثانيا: الرئيس ترمب لا ينتمي إلى النخبة التقليدية الأمريكية فهو لم يكن يوما حاكما لولاية أو عضوا في الكونغرس أو مجلس الشيوخ وبالتالي لا ينتمي إلى هذه الفئة المؤثرة أيضا ولا يحمل توجهاتها ولا همومها. ثالثا: لا يعد ترامب عضوا أصيلا في الحزب الجمهوري بل وجد في هذا الحزب وسيلة للوصول للحكم فتبنى النهج المتطرف ليكسب الفئة الغالبة من الأمريكيين العاملين، وبالتالي فهو لا يحمل أجندة ولا توجهات ولا أفكار الحزب الجمهوري، أي أنه خارج التغطية الحزبية. رابعا: ترمب ليس رجلا عاديا يبحث عن وظيفة مرموقة بل هو رجل أعمال وملياردير ولا تنقصه الأموال ولا راتب الرئيس الأمريكي. إذا فترمب خارج كل الحسابات الأربعة المذكورة فهو خارج دائرة المجمع الصناعي، ولا يحمل أجنة ولا عقلية حزبية، ولا يتبنى ديبلوماسية بعينها، ولا أفكارَ النخبة، ولا ينقصه المال. إذا فهو رجل سيتصرف بعيدا عن كل الأطر الأربعة وهذا يجعل التنبؤ بأفعاله حاليا صعبة إلى حد ما. وعليه فإنه يمكن وصف الرئيس ترمب بأنه:

  • رئيس متمرد بامتياز. فهو متمرد على الطبقة النخبوية التقليدية الحاكمة، ومتمرد على المجمع الصناعي المتنفذ والحاكم في الولايات المتحدة، ومتمرد على الحزب الجمهوري، ومتمرد على النخبة السياسية التي لا ينتمي إليها.
  • يصعب التنبؤ بما سيفعله إذ من الصعوبة ليّ ذراعه فهو جاء من خارج الصندوق التقليدي سواء النخبة الحاكمة أو المجمع الصناعي
  • شعبي عنصري خاطب الشعب الأمريكي الأبيض باللغة التي يفهمها فقد كان في كل خطاباته عفويا وصريحا ويذهب إلى الموضوع مباشرة بدون أي اعتبارات ديبلوماسية أو تحفظات – بريستيج -أو اعتبار لأي بروتوكولات، كما استطاع أن يتملص من كل الفضائح بالطريقة الشعبية التي تفهمها هذه الطبقة.

وقد أثبت ترمب أهمية الطبقة الوسطى في حسم الأمور إذا ما تم مخاطبتها بالطريقة الصحيحة. وطرح شعارات تتناسب مع آلام ومعاناة طبقة البيض الوسطى ودغدغ مشاعرهم واستفز غضبهم وخوفهم من فقدان الوظائف فطرح طرد المهاجرين والمسلمين والملونين وذوي الأصول الإسبانية. وبالتالي تحول إلى رجل شعبي (populist) والغريب أن هموم هذه الطبقة -الأصل فيها -أن تُستقطب من قبل اليسار وليس من قبل اليمين المتطرف. لكن يبدو أن الشعبوية (populism) في أمريكا لها طريق مختلف استطاع ترامب أن يشق طريقه فيه ويكسب هذه الفئة بعد أن أيقظها بطريقته العنصرية.

ومن الملفت أن اختيار فريقه لم يتم بمشورة حزبه كما هي العادة ولا مشورة المجمع الصناعي ولا النخبة بل كانت تبدو بمشورة عائلته من ابنته وابنه وصهره والعديد من المقابلات تمت في برج ترامب. ومن الملفت أنه بالرغم من أن هناك صفات مشتركة بين من تم تعيينهم إلى الآن إلا أن هناك بعض الاختلافات في الرؤى بينهم. فهناك مجموعة منهم من رجال الأعمال وأصحاب الملايين والمليارات مثل وزير الخارجية والمستشار الاستراتيجي ووزيرة التربية ووزير الطاقة. والعديد منهم من العنصرين البيض والمحافظين المتشددين.

فمايكل بانون مواليد 1953 المستشار الاستراتيجي لترمب من رجال الأعمال وعسكري سابق، دعا لحريبين كبيرتين إحداهما: مع الصين والثانية: في الشرق الأوسط، وهو معادي للإسلام وللمهاجرين، بينما ترمب أكد قبل أيام دعمه لصين واحدة!! في حين أن وزير الأمن القومي الجنرال فلين المستقيل يعدّ الإسلام والإسلاميين الراديكاليين عدوا استراتيجيا. على أية حال فقد استقال من منصبه بسبب اتصالاته مع الروس. في حين أن وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس المولود عام 1950 يعدّ إيران عدوا رئيسيا باعتبارها داعمة للإرهاب ويعتبرها أخطر من تنظيم الدولة الإسلامية، ويقال إنه يؤيد حل الدولتين ولا يؤيد الاستيطان. أما وزير الطاقة جيمس بيري المولود عام 1950، فهو من المحافظين ومدعوم من حزب الشاي، وضد الإجهاض وزاوج المثليين، ومؤيد لصناعة النفط والغاز، وضد الاتفاقية النووية مع إيران.

ويشارك مايك بومبيو مواليد 1963 كرئيس لوكالة الاستخبارات الأمريكية وهو عضو في حزب الشاي اليميني المحافظ، ويؤيد برامج المراقبة ويعارض إغلاق سجن غوانتنامو، ومعارض للاتفاقية مع إيران، ورجل أعمال.  بينما وزير الخارجية تيليرسون من مواليد 1952 فهو رجل أعمال والمدير التنفيذي السابق لشركة النفط العالمية اكسون موبيل، وليس لديه خبرة سابقة في العمل السياسي، وله علاقة مميزة مع الرئيس الروسي بوتن وغير مؤيد لمقاطعة روسيا.

والسؤال هنا كيف ستكون استراتيجية ترمب وفريقه؟ من الملاحظ أن الفريق المُعتمد حاليا يحتاج إلى عدة أمور منها: أنه نفسه بحاجة إلى أن يتكيف مع نفسه حتى يستطيع أن يرسم معالم استراتيجيته القادمة وهذا بالتأكيد سيستغرق بضعة أشهر، حتى يستطيع الفريق تحقيق وفاق معقول بينهم. كما أن الفريق يحتاج إلى أن يتلاءم مع المؤسسات الأمريكية الرئيسية ذات العلاقة برسم الاستراتيجية الأمريكية العليا وهذا سيُدخل الفريق في صراع مع بعض هذه المؤسسات، فإما أن يتناغموا كليا أو جزئيا، أو قد يختلفوا وتبدأ المشادات بينهم.  وبالتالي فإن استراتيجية ترمب وفريقه ستأخذ عدة أشهر حتى تظهر ملامحها وتستبين خطوطها الرئيسية حتى يمكن التعامل معها تنبؤا وتوقعا لمسارات الأحداث القادمة. وعموما هل ستكون هذه الاستراتيجية المفترضة هي الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة أم أنها ستتنافر مع الأطر المؤسسية الأمريكية العريقة وتصبح عندها استراتيجية ترمب وشلّته؟

 

الاستراتيجية التركية المستقبلية تجاه الشرق الأوسط

د. وائــل شــديد

استراتيجي وباحث

8 فبراير 2017

منشورة على موقع اكاديميةعلى الرابط التالي:لمزيد من التفاصيل 

https://goo.gl/r0MjKS

 

الاستراتيجية التركية المستقبلية تجاه الشرق الأوسط

مقدمة

لقد وجدت تركيا نفسها منخرطة في الأحداث الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط، سواء رغبت بذلك أم لا. تاريخيا كان معظم ما يسمى الآن بدول الشرق الأوسط وعدة دول إسلامية أخرى تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، مما أوجد علاقات طويلة وواسعة مع تركيا. وجغرافيا تحتل تركيا موقعاً استراتيجياً بين أوروبا وآسيا، فهي سقف الدول العربية من الشمال، وسواحلها تمتد من البحر الأسود إلى البحر المتوسط. كما أن لها حدودا طويلة مع دول غير مستقرة مثل سوريا والعراق التي تشهد كلتيهما حالة من الفوضى والتعقيد الداخلي. إن هذه الفوضى تؤثر على تركيا كأمر حتمي لا مفر منه. ومن جهة أخرى لدى تركيا حدود مع إيران التي هي اللاعب الجيوستراتيجي الإقليمي الفعال في المنطقة وتحاول أن ترسخ مصالحها الاستراتيجية عبر تدخل علني لتفرض نفسها كجزء من المعادلة الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك ليس لدى تركيا أي خيار سوى أن تنخرط بنفسها في الصيغة الجيوستراتيجية من أجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية ولتأمين حدودها ولمنع أي تقدم متنام تجاه الداخل التركي. في خضم هذا الفراغ الاستراتيجي في المنطقة تبدو تركيا على أنها اللاعب الجيوستراتيجي الواعد والمؤهل جيداً للعب دورا جيوستراتيجيا في المنطقة.

وتلقي هذه الورقة من خلال أسلوب وصفي وتحليلي الضوء على السياق الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط وعلى اللاعبين الإقليميين والدوليين، وتقترح ملامح لمبادرة استراتيجية تركية مستقبلية تجاه الشرق الأوسط.

السياق الاستراتيجي في الشرق الأوسط

يشمل الشرق الأوسط الدول العربية وتركيا وإيران. ويشهد هذا الجزء من العالم اضطرابا وتعقيداً ودينامية عالية جداً. حيث تمر الدول العربية في الشرق الأوسط بتغيرات ثورية حقيقية بسبب الربيع العربي والثورات المضادة له. حيث أصبح عدم الاستقرار وعدم اليقين والفوضى والاضطراب هي السمة العامة للدول العربية التي شهدت الربيع العربي مثل: مصر، واليمن، وسوريا، وليبيا، والعراق من قبلها. أيضاً هناك تفاعلات القضية الفلسطينية والتي هي رمز للصراع العربي – الإسرائيلي. بالإضافة إلى تشكّل بعض التنظيمات الإسلامية المتطرفة في ظل هذه الفوضى، مثل داعش التي برزت كوحش دولي، هذا الوحش استدعى مجدداً الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها وروسيا إلى المنطقة لوضع حد لتوسع داعش.

يحيط بتركيا من الجنوب والشرق سوريا والعراق وإيران. وكل دولة منها لديها اعتباراتها الجيوستراتيجية الخاصة بها. فكلا من سوريا والعراق في حالة عدم استقرار واضطراب هائل. حيث تشهد سوريا صراعاً داخلياً معقداً بين النظام مدعوماً من إيران وروسيا، ومقاتلو المعارضة المدعومين إلى حد ما من بعض الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية وقطر. وتدخلت الولايات المتحدة في الصراع السوري من خلال الحفاظ على التوازن بين الجانبين والأخذ بعين الاعتبار المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية، ونزلت روسيا على الأرض السورية لدوافع جيواستراتيجية لتعزز موقعها المضاد للغرب. وبالتالي أضحت المشكلة السورية تعكس الصراع الدائر بين اللاعبين الخارجين أكثر مما تعكس الصراع الدائر بين اللاعبين المحليين.

أما في العراق فالوضع في تعقيد آخر يعكس الصراع بين الشيعة المدعومين من إيران، والأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، والسنة وهم بدون أي دعم خارجي. وبهذا يبقي أهل السنة الجزء الأضعف في العراق، وفي نفس الوقت هم الجزء الأكثر أهمية إذا ما أريد تحقيق الاستقرار هناك. لكن الدور السني قُلِّصَ ولا يتم تمثيله كما ينبغي بما يتناسب مع الموارد الكامنة لديهم، وهم كذلك لا يستفيدوا من مواردهم وإمكاناتهم إلى الحد الأقصى، وغير مدعومين ومؤيدين خارجياً مثل الشيعة أو الأكراد، ويعانون من خلافات داخلية، وغير قادرين على ملائمة أنفسهم في موضع استراتيجي يعكس حجمهم الحقيقي، بالرغم من أنهم هم أصحاب الثورة الحقيقيين ضد الاحتلال الأمريكي وقد دفعوا الثمن وقدموا التضحيات لهذه المقاومة.

لقد وصل الشيعة إلى ذروتهم القصوى من خلال حكم العراق بواسطة الدعم الكبير من إيران وبموافقة أميركية. فحشدوا كل مواردهم واستفادوا من كل إمكانياتهم ووصلوا إلى سقفهم الأعلى والذي يبقى أقل مما هو مطلوب للسيطرة على العراق كله. فإمكانياتهم القصوى غير كافية لتحكم العراق حتى مع الدعم الإيراني المطلق. فقد فشلوا في حكم العراق بطريقة متوازنة وذلك لعدة أسباب من ضمنها منظورهم الطائفي، ونقص الخبرة، والاعتماد على محاربين شيعة كُثر، وهوس الانتقام من الآخر، وغياب الروح الوطنية لتوحيد العراق.

ومن جهة أخرى فإن وجهة نظر الأكراد مكرسة تجاه كسب استقلالية أكثر بهدف إنشاء دولتهم المنشودة. فهم يستغلون الحالة العراقية المعقدة لاكتساب مصالح أكثر لأنفسهم، ويبدوا أنهم سيجدو أنفسهم متورطون في صراعات مستقبلية مع عدة لاعبين، مثل العرب، والتركمان وإيران إذا بقوا مصريين على مواقفهم.

عند قراءة الموقف التركي من الصراع التاريخي الأساسي في الشرق الأوسط وهو القضية الفلسطينية نجد أن هناك بعض التطورات الهامة حيث تحول الموقف التركي إلى الجانب المؤيد للقضية الفلسطينية، أي باتجاه حلم الأمة الإسلامية. مما وضعها في قلب تطلعات وآمال الأمة الإسلامية فيما يتعلق بتحرير المسجد الأقصى والقدس وفلسطين. وعلاوة على ذلك فإن شعبية تركيا وقادتها تتزايد بسرعة بين العرب والشعوب الإسلامية. ومن جهة أخرى فقد أظهر الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية موقفاً صلباً في مواجهة الحروب الوحشية للاحتلال الإسرائيلي خاصة في غزة بالإضافة إلى إصرار الشعب الفلسطيني وصموده في وجه الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية. هذا الإصرار الفلسطيني المتواصل غير المسبوق خلال أكثر من 70 سنة يشكل قاعدة صلبة لأية تحركات استراتيجية، بمعنى آخر يشكل رهاناً رابحاً لأية مناورة جيواستراتيجية جدية في المنطقة.

 

اللاعبون الجيوستراتيجيون الإقليميون

يوجد عدد من اللاعبين الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط من ضمنهم مصر، والمملكة العربية السعودية، وإيران، وتركيا. أما بالنسبة لمصر فهي تعيش حالة اضطراب بعد الانقلاب وما تزال غير مستقرة وبالتالي لم يعد باستطاعتها أن تكون لاعباً جيوستراتيجياً مؤثراً حتى هذه اللحظة. وما لم تصل مصر إلى حالة استقرار فستبقى غير قادرة على لعب دور جيوستراتيجي مؤثر في المنطقة.

وفي المقابل لا تبدي المملكة العربية السعودية أيّة استراتيجية واضحة في المنطقة. وبدلاً من ذلك فإنها تنأى بنفسها وترفض التعامل مع ما يسمى بالإسلام السياسي مما موضع المملكة العربية السعودية في زاوية الطرف المعادي لثورة الربيع العربي من خلال دعم الانقلاب في مصر ومعاداة الثورة في اليمن قبل سطوة الحوثي على الموقف. هذا الموقف السعودي من الربيع العربي متناغم مع موقف الولايات المتحدة. وقد أحجمت المملكة العربية السعودية في الماضي وحتى هذه اللحظة عن تقديم دعم سياسي حقيقي لسنة العراق، على الرغم من أنهم كانوا ومازالوا يرزحون تحت معاناة شديدة من الحكومة الشيعية التي تم تعزيزها بشكل واضح من إيران. أيضاً لا تبدي المملكة العربية السعودية دعماً واضحاً للمقاومة الفلسطينية في مواجهتها مع الاحتلال الإسرائيلي في الحروب السابقة في غزة، واكتفى الموقف السعودي بالتزام الموقف الرسمي المتماشي مع توجهات اللجنة الرباعية. فأصبح الموقف السعودي يتماشى تماماً مع وجهة نظر الولايات المتحدة فيما يخص المقاومة الفلسطينية. من جهة أخرى لا تبدي المملكة العربية السعودية أية استراتيجية مستقلة واضحة فيما يتعلق بالمشكلة السورية في حين أن إيران تدعم النظام السوري بكل قدراتها المالية والبشرية والعسكرية. ومرة أخرى يبدو الموقف السعودي غير قادر على فرض رؤيته ولا يستطيع تجاوز الرؤية الأمريكية مما أظهر السعودية وكأنها تقوم بأفعال تصب في المصلحة الاستراتيجية الأمريكية أكثر منها في المصلحة السعودية أو العربية. وعلى ذلك يمكن اعتبار المملكة العربية السعودية كتابع أكثر منها كلاعب جيوستراتيجي مؤثر.

وتظهر تركيا بتغيراتها الجيوستراتيجية بعد وصول أردوغان وحزبه للحكم وكأنها فارس الأحلام، وتبدي تركيا موقفاً واضحاً تجاه القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى، وتتخذ موقفاً صارماً حيال الأفعال العدائية لإسرائيل. وفي المقابل فإن تركيا تحت اختبارٍ كبير فيما يخص استقرارها الداخلي بسبب المعارضة الداخلية والدولية. وحتى الآن استطاع أردوغان مع حزبه أن يتغلب على الاضطرابات الداخلية ومنعها من تحقيق زعزعة الاستقرار الداخلي. وبالرغم من الأحداث الخارجية المحيطة بها إلا أنها ظلت لوقت قريب متحفظة في المجال الجيوستراتيجي الخارجي نتيجة لنقص الاستقرار الداخلي، ولعدم بلورة رؤية جيواستراتيجية في ظل هذه البيئة المعقدة، ولأنها ماتزال في مرحلة انتقالية. لذلك ركزت القيادة التركية على القضايا الداخلية والاستقرار أكثر من الأحداث الخارجية، خاصة مع هكذا أحداث خارجية معقدة، ومع ذلك تبقى لاعباً جيوستراتيجياً واعداً فيما يشاهد اللاعبون الإقليميون والدوليون الآخرون ويرصدون تطور هذا الاعب المتَوقع الجديد. ومما لا شك فيه ان الاستراتيجية التركية بعد فشل الانقلاب قد انطلقت نحو التعامل مع الفضاء الاستراتيجي الخارجي بشكل واضح واندفعت في قوات درع الفرات نحو فرض واقع على الأرض في الشمال السوري.

في الحقيقة، إن اللاعب الجيوستراتيجي الفعال الوحيد في المنطقة هو إيران، فإيران لها تاريخ طويل من التدخل في المنطقة منذ أيام الشاه الذي لعب دور الشرطي عن الولايات المتحدة في منطقة الخليج. لقد اعتبرت إيران البحرين جزءا من إيران، واحتلت الجزر الإماراتية الثلاثة. لقد عادت الرغبة الإيرانية في التوسع مرة أخرى بعد الثورة الإسلامية عندما حاولت أن تصدّر الثورة إلى دول إسلامية أخرى، ثم هدأت قليلا ثم عادت الرغبة في التوسع مجدداً وبشدة أكثر تحت مصطلح “حماية المصالح الاستراتيجية الإيرانية”. ولم تقف إيران عند هذا الحد لكنها تجاوزته بدعم الأحزاب الشيعية في لبنان والعراق والبحرين واليمن التي أصبحت ذراعها في نشر استراتيجيتها ومصالحها في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك فقد نجحت إيران في اختراق العراق بعد صدام حسين، وأصبحت المحرك الرئيسي للأحداث الداخلية في العراق، كما استطاعت أن تستغل تأثيرها في العراق في المفاوضات النووية مع الغرب. لقد أصبحت العراق تماماً كما ترغب إيران: عراقٌ ضعيف خاضع لحكومة شيعية مع أدوار متواضعة للسنة، وبالتالي استطاعت إيران أن تستثمر الحالة العراقية إلى حد كبير لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. كما استطاعت إيران أن تحقق تغلغلاً عميقا في لبنان من خلال حزب الله ودفعه للقتال في سوريا.  وفي جميع الحالات فإن التدخل الأوضح لإيران هو في سوريا، حيث تتواجد بصورة مباشرة عبر إرسالها الحرس الثوري للمشاركة في الحرب ضد المعارضة، وبدفع أذرعها من المليشيات الشيعية مثل حزب الله والمليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية للقتال بصورة مباشرة في سوريا بحجة الدفاع عن النظام السوري. كما تعمقت إيران في جنوب غرب الجزيرة العربية حيث اليمن بدعم الحوثيين أيضاً لتثبت وتعمق مصالحها في تلك المنطقة. إنه توسع إيراني واضح فهو يستغل حالة عدم الاستقرار والاضطراب في محاولة لإثبات قوتها ومصالحها وتأثيرها وهكذا تكون إيران هي اللاعب الجيوستراتيجي الإقليمي الفعال الوحيد الذي يتدخل بصورة مباشرة وغير مباشرة في كل أرجاء منطقة الشرق الأوسط.

اللاعبون الجيوستراتيجيون الدوليون

الدول الشرق أوسطية مثل: مصر، وسوريا، وتركيا، والعراق، والمملكة العربية السعودية، ومنطقة الخليج، وفلسطين موجودون في قلب المصالح الجيوستراتيجية للولايات المتحدة، وأوروبا، وروسا، والصين. إذ يقع الشرق الأوسط في مكان استراتيجي مميز فهو يحتوي على أغنى مصادر الطاقة مثل النفط والغاز والطاقة المتجددة، أي الرياح والشمس. إن موقعه الجيوستراتيجي يجلب اهتمام الآخرين إليه جلبا، فالعيون على المنطقة طوال الوقت. وأصحاب المصالح الخارجية لن يتوقفوا عن التدخل في المنطقة لدوافع وأهداف مختلفة، زد على ذلك الصراع العربي-الإسرائيلي وهو سببٌ آخر للاهتمام والتركيز على هذه المنطقة. كما أن دول الشرق الأوسط تقع في نطاق “حزام الاستقرار” بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، وحزام الاستقرار هو المنطقة المحيطة بروسيا وأوروبا الشرقية من الجهة الجنوبية.  كما تسيطر دول الشرق الأوسط على طرق ملاحة بحرية وممرات جوية هامة، وتفصل روسيا عن المياه الدافئة. بالإضافة لذلك هناك الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي يؤثر على الجيوسياسية الداخلية لمعظم دول الشرق الأوسط، ويؤثر على التحركات الجيوستراتيجية الخارجية في المنطقة أيضاً.

ووفقاً لذلك فإن المنطقة تحت تركيزٍ ليس فقط من القوى العظمى بل من القوى الناشئة أيضاً مثل الصين. ويضاف إلى ذلك العديد من المشاكل الجيوسياسية الخطيرة في دول الشرق الأوسط كغياب الديمقراطية، والحوار، والتسامح، وفن الاختلاف، والانقسامات الطائفية، والمشاكل السياسية القومية، والأيديولوجيات القسرية، وقلة القواعد المشتركة في البلد نفسه، وعدم قبول الرأي الآخر، والاقصاء، والتهميش، والمفاهيم الخاطئة، وإثارة وإعادة الأحقاد التاريخية إلى الذاكرة. هذه المشاكل الجيوسياسية الخطيرة تولّد قضايا جيواستراتيجية صعبة وأزمات تؤدي إلى مواجهات إقليمية معقدة. إن مثل هذه المواجهات الجيوستراتيجية تخلق منافذاً سهلة لتدخل دولي في المنطقة.  تحت بند الحاجة إلى الحماية. حيث أن القوى العظمى لها مداخل مختلفة للتدخل في السياسات الداخلية والخارجية للشرق الأوسط. فأحد أنواع المداخل هو مدخل الحماية من قوى إقليمية أخرى كما هو الحال في بعض دول الخليج العربي الطامحة في حماية أمريكية ضد تدخلٍ إيراني متوقع في دولها. وهناك مدخل امتلاك الأسلحة للوصول إلى تكافئ استراتيجي مع معارضين آخرين في المنطقة، مما يفتح الباب على مصراعيه على تدخل جيوستراتيجي كبير كما حدث إبان غزو الكويت، ثم غزو العراق في 2003، ثم التدخل الروسي في سوريا. ومن قبل اندفاع بعض الدول لطلب الحماية الأمريكية ضد حركة التوسع الإيرانية وتصدير الثورة وبالتالي التوجه بعيداً نحو تعزيز أمنهم متحالفين مع واشنطن. وهناك أيضا المدخل الاقتصادي والتكنولوجي للمساعدة في استخراج الموارد الطبيعية ولتطوير البلاد وهو يمهد الطريق لهذه التدخلات أيضاً. وليس ذلك فقط بل أصبح وللأسف مبدأ السيادة قابلاً للمساومة.

ورغم أن القوى الأوروبية لها اعتبار جيد في المنطقة غير أن الاقتصاد الغربي الضعيف في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية منذ عام 2008 لن يسمح للغرب بأن يكون قادرا على فرض قيادته ورغباته على المنطقة كما كان في العادة.  وما من شك فإن الولايات المتحدة هي القوة الأساسية في وتلعب دوراً حيوياً في تشكيل استراتيجية المنطقة وتبقى هي اللاعب الجيوستراتيجي الأساسي.

الجيوستراتيجية التركية المستقبلية

في هذه البيئة الخارجية المضطربة والمعقدة لن تستطيع تركيا أن تقف على الحياد بدون تحركات جيواستراتيجية، فحتى لو رغبت في أن تفصل نفسها عن الأحداث الديناميكية العالية الخطورة فسينتهي المطاف بهذه الأحداث إلى أن تنتقل وتضرب تركيا من الداخل.

مخاوف تركيا الخارجية

في الحقيقة إن إحدى المخاوف الرئيسية هي القضية العراقية التي كانت أول حدث. والعراق كواحد من البلدان الهامة في المنطقة يعاني من اضطراب دائم منذ عام 1990 وحتى الآن. ومازالت الحالة هناك متصاعدة وتتطور باتجاه التعقيد يوماً بعد يوم وهذا من آثار الاحتلال الأمريكي، والتباينات الديموغرافية، والنزاعات الداخلية، وكذلك مشكلة داعش والتدخلات الدولية والإقليمية كلها تساهم في اضطراب المشهد العراقي. والعراق بتعقيده وغموضه يجاور تركيا ويحدث تأثيراً في العديد من شؤونها مثل السياسة الخارجية، والعناصر الداخلية، والقضية الكردية، والعلاقات الاقتصادية.

وهنا تبرز بقوة مجموعة من المخاوف قادمة من العراق ولها تأثير سلبي على تركيا، منها كيفية الحصول على معلومات كافية لإدارة نتائج التعقيدات العراقية، وكيفية تجنب استعمال القوة والتورط المباشرة في حل المشاكل الناجمة عن الوضع هناك، ومخاوف من جر تركيا إلى الدوامة العراقية، ومخاوف بأن تصبح مشتتة الانتباه بإدارة الأزمات أكثر من إيجاد حلول جذرية وحقيقية، ومخاوف من توسع إيراني في المكونات العراقية يمتد نحو تركيا، ومخاوف من استغلال الأكراد في الجانب العراقي لمشكلة حزب العمال الكردستاني.

أما القلق الآخر فهو المنبثق من سوريا متمثلاً بالعدد الكبير من اللاجئين السوريين في تركيا والمتزامن مع نتائج اجتماعية واقتصادية وسياسية سلبية. وأيضاً الارتباك السياسي الناجم عن الصراع العسكري بالقرب من الحدود مع سورية، كالمواجهات الدائرة عند نقاط العبور والحدود البرية، إضافة لذلك العداوة التي تعززت بين النظام السوري والحكومة التركية والتي قد تؤدي إلى أعمال عدائية من قبل النظام السوري داخل تركيا، أو استغلال بعض أفراد الطائفة العلوية التركية لزعزعة الأمن والسلم الداخليين، وإمكانية استغلال تداعيات المشكلة السورية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وروسيا، لفرض نوعٍ من الضغط عليها.

أما القلق الثالث فهو المشكلة الفلسطينية والعناد الإسرائيلي. في الواقع هذا القلق جليٌّ لأن قادة حزب العدالة والتنمية يعتبرون المساعدة في قضية المسجد الأقصى، والقدس، ودعم الشعب الفلسطيني واجباً دينياً. إن العناد الإسرائيلي أدى إلى مقتل عددٍ من النبلاء من الشعب التركي كانوا على متن سفينة مساعدات إنسانية، مما أدى إلى نزاع سياسي جدي مع إسرائيل، لذلك فإن هذا الصراع المستمر في فلسطين سيؤثر على الاستراتيجية التركية أيضاً، وسيلقي بظله على سياساتها الخارجية.

السياق الجيوستراتيجي بخصوص تركيا

إن عملية التغيير في المنطقة ليست منفصلة عن البيئة المحيطة، وما من شكٍ بأن دول الجوار تتأثر بصورة مباشرة، وفي وسط هذا التعقيد وجدت تركيا نفسها متورطة، ليس لأنها ترغب في الانخراط، بل لأنه فرض عليها بسبب موقعها الجغرافي، والمتطلبات الدولية، والمسؤولية الإنسانية، والواجب الإنساني. والتحرك التركي الأخير باتجاه الداخل السوري لم يكن خيارا بل اجبارا للانخراط في هذه الصيغة الجيوستراتيجية الإقليمية، وإلا فإنها ستدفع ثمناً أغلى داخلياً وخارجياً وستظهر نتائجه سلباً على المكونات السياسية والاجتماعية الداخلية التركية. ليس هذا فحسب بل ستجد نفسها محاطة بمصالح استراتيجية لدول أخرى، مما سيؤدي إلى تآكل مصالحها. على الرغم من أن تركيا اتجهت نحو صفر مشاكل خارجية في السنوات الماضية إلا أن الواقع فرض أحداث خارجية ضخمة تضاعفت أكثر مما أملت. في واقع الأمر تواجه تركيا حالة جيواستراتيجية معقدة تستوجب تكيفاً سريعاً، وتحديدا لموقعها الجيوستراتيجي، وإلا فإنها تخاطر بنفسها إذا ظلت ثابتة في موقفها دون أي مناورة استراتيجية، إذ أنه من وجهة النظر الاستراتيجية فإن البقاء على حالة وضع السكون في بيئة معقدة سيمكّن القوى المنافسة وقوى التوازن الاستراتيجي الداخلية من دفع الكيان (تركيا) نحو نقطة اللاعودة.

ويظهر في السياق المنافس الآخر وهو إيران التي اندفعت بقوة في المنطقة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية إلى الحد الذي أصبح فيه من الصعب تطوير تفاهم مع إيران لتهدئة المنطقة. وما لم يكن لدى تركيا القوة لتكون لاعباً مهماً في الصيغة الجيوستراتيجية سيكون من الصعب وضع حدٍ لتأثير توسع المصالح الإيرانية عليها داخلياً وخارجياً. لقد أصبح واضحاً على وجه التحديد أن المصالح الإيرانية تعارض المصالح التركية في المنطقة، ليس في العراق فقط بل في سورية أيضاً. إن الاندفاع الإيراني حافزٌ آخر لتركيا لتصبح جزءا من الصيغة الجيوستراتيجية في المنطقة بدلاً من كونها مراقباً فقط.

وهنا تجدر الملاحظة أنه بالرغم أن إيران واحدة من اللاعبين الرئيسيين إلا أنها هي ذاتها تعاني من التعقيدات في العراق وسوريا بل في المنطقة كلها. لقد اقحمت إيران نفسها في العراق إلى حد كبير ثم اقحمت نفسها في سورية ثم في اليمن، مما يشير إلى أن إيران تغرق الآن في ثلاثة مستنقعات. وفي نفس الوقت تعاني إيران من العقوبات الاقتصادية وإنفاق الكثير من الأموال على مشروعيها النووي والصاروخي اللذان يستهلكان الكثير من دخلها القومي. إذاً، الغرق في ثلاثة مستنقعات مترافقٌ مع عقوبات اقتصادية يشير إلى أنه ليس من السهل على إيران أن تتحمل أربعة أعباءٍ ثقيلةٍ معاً وهي: العراق، وسورية، واليمن، والمشروع النووي. وعلى ذلك فإن إيران معرضة لصعوبات جمة ولفشل في خطتها الجيوستراتيجية في ظل هذه الظروف، أو أنها ستدفع ثمناً باهظاً لتعزيز مصالحاها التي ستهدد جدياً وضعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي. إضافة إلى ذلك، فهناك روسيا التي انغمست في التعقيد في سبتمبر 2015 ولم يكن التدخل الروسي لأسباب سياسية روسية داخلية ولا لأسباب اقتصادية ظاهرة إنما لمصالح جيواستراتيجية بحتة من خلال فرض نفسها في المعادلة الاستراتيجية في الشرق الأوسط وأروبا لتستعيد مجدها السابق ولتعزيز موقفها في أوكرانيا، وبذلك تصبح روسيا عاملا مؤثرا في التموضع الاستراتيجي التركي.

وبالتالي، فأنه من المنظور التركي، فقد تجمعت مجموعة من المخاوف الاستراتيجية الحقيقية منها على سبيل المثال لا الحصر: صدى المواجهات الداخلية السورية عليها، والقلاقل التي قد يسببها النظام السوري في الداخل التركي، ومشكلة اللاجئين السوريين وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، وآثار القلاقل في العراق، والاستغلال الإسرائيلي أو الأمريكي لهذا الوضع والضغط عليها، والموقف الأمريكي السلبي والمتمثل بدعمه لأكراد سوريا على الحدود التركية، والمشكلة الكردية الداخلية، والتحالف الروسي الإيراني في سوريا، والتوجه الطائفي الإيراني في المنطقة، وعواقب الانقلاب العسكري الفاشل. وبناء على كل ذلك فان الانخراط التركي في تعقيد البيئة الخارجية قد يكون أصبح حتمية استراتيجية لحمايتها من ارتدادات التدخلات الخارجية، ولإعاقة تقدم الخطر الخارجي نحو الداخل التركي، وللمحافظة على المصالح التركية في المنطقة. علما بأن مثل هذا التوجه يستوجب عليها امتلاك عناصر وأدوات القوة الاستراتيجية قبل انغماسها فيه. وبالرغم من هذا التعقيد إلا أن هناك مجموعة من الفرص التي تستطيع تركيا استغلالها لتشكيل استراتيجيتها.

  بما أن اللاعبين الآخرين هم أنفسهم غير متأكدين من صوابيه خطواتهم القادمة فإن ذلك يعطي تركيا فرصة لموضع قدم مناسب لها، كما أن جميع المناورات والتحالفات والنوايا أصبحت معروفة وبالتالي أضحى فهم اللعبة سهلا. كذلك فإن جميع اللاعبين أصبحوا تحت ظروف التعقيد وعدم اليقين والضعف في التنبؤ ويجدر التنويه إلى أن حدوث تغيرات درامية واردة في ظل هذه الظروف إلا أن أقل المتضررين هو الأكثر جهوزية. وكما أن لإيران أذرع محلية في المنطقة، فإن على تركيا أن تشكل لها أذرعا حتى تستطيع المناورة على الأرض خصوصا أن الموقف التركي من القضية الفلسطينية أوجد لها قبولا في الشارع العربي والإسلامي ممكن أن يسهل تشكيل تحالفات شعبية وسياسي رسمية مع السعودية وقطر وغيرها من الدول.

وبناء عليه فإنه بإمكان تركيا تطوير مبادرة جيواستراتيجية باتجاه الشرق الأوسط وستطرح تركيا هذه المبادرة كلاعب أساسي في المنطقة بدلاً من ترك الملعب للآخرين ليفرضوا استراتيجياتهم ومصالحهم، كما أن ملأ الفراغ سيمنع الآخرين من التدخل لوحدهم في المنطقة، وستحد من التأثير على المصالح التركية، علاوة على ذلك فالمبادرة الجيوستراتيجية ستساعد في تحقيق توازن في العلاقات الإقليمية السياسية، وستوجد حراكا سياسيا بين الحكومات والكيانات الجديدة المتوقعة، وستدعم المكون السني الذي يشكل حجر زاوية في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، مضافا لذلك تطبيق دور أخلاقي وتأدية واجب إسلامي أيضاً.

ملامح المبادرة الجيوستراتيجية التركية المستقبلية

بما أن هناك فراغ استراتيجي في المنطقة فيجب أن تشغل تركيا حيزاً بارزاً فيه، وإلا فإن هذا الفراغ سيملأ تماماً بواسطة لاعبين آخرين، هذا الفراغ لا يجذب القوى الأجنبية العظمى فقط، بل يجذب القوى الناشئة في المنطقة، مثل إيران، وفي نفس الوقت جذب وسيجذب قوى صاعدة أخرى، مثل الصين، وروسيا. أما في حقبة أوباما فقد انكفأت واشنطن عن المنطقة معتمدة على حلفائها لتأدية مصالحها الاستراتيجية المطلوبة. وهم من الدول الأعضاء في الناتو ودورهم الاستراتيجي مقدر تماما من قبل الولايات المتحدة وأروبا، على الرغم مما يبدو من صعوبة الموقف فليس من المستحيل تغيير الوضع الجيوستراتيجي في المنطقة. خاصةً وأن هناك حدٌ لقوة الولايات المتحدة وقدراتها في السيطرة على المتغيرات الاستراتيجية المستقبلية.

إن تغيير الخريطة الجيوستراتيجية يستلزم استيعاباً للحالة الجيوستراتيجية تحديداً حاجات القوى العظمى، ومعرفة بالإمكانات والقدرات الإقليمية وحدودها. وتركيا لديها إمكانيات اقتصادية عظيمة وموارد طبيعية وتمثل أحد ركائز مكونات الأمة الإسلامية وهم (العرب، والترك، والفرس). وعليه فإن تركيا مؤهلة تماماً لتخطو خطوة نحو تبني مبادرة جيواستراتيجية منطقية وجدية.

وفي المقابل فإن العرب وهم الأضعف في السياق الجيوستراتيجي مطالبين بالمثل أيضاً. فمشكلة العرب هي في عدم وجود ممثل لهم متفق عليه مثل الأطراف الأخرى مما يتركهم دون وحدة وفي تفكك، جاعلاً إياهم في موضع هشّ ومن السهل أن يتم التلاعب بهم من قبل القوى الخارجية. في المقابل تواجه الأمة العربية في معظمها عملية تغيير حادة في دولهم بما يسمى بــ “الثورات المضادة” ضد “الربيع العربي” وقد دفعوا ومازالوا يدفعون ثمناً باهظاً لتحقيق التغيير. حيث قتل مئات الألوف منهم وشرد الملايين في عملية التغيير القاسية هذه. إن هذا الوضع يزيد من الضغط على تركيا لتقود التغيرات الجيوستراتيجية في المنطقة حتى تتعافى الأمة العربية (الحليف المستقبلي لها) من نتائج عملية التغيير الحادة هذه.

وهنا ينبغي لتركيا عند التقدم باتجاه المبادرة الجيوستراتيجية المستقبلية ملاحظة بعض المحددات والتي من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر: الاستقرار الداخلي التركي من ناحية التماسك الاجتماعي والوضع الاقتصادي اللائق والاستقرار السياسي. طبعاً إن الاستقرار لا يعني صفراً من المشاكل، لكن الاستقرار يعني أن المشاكل تتجه نحو حدها الأدنى، أو أنها عند درجة معقولة تجعل التحرك نحو مبادرة جيواستراتيجية ممكنا. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه المبادرة تتطلب دعماً من الشعب التركي مع تطوير عوامل داخلية مهمة مثل بلورة رؤية جيوسياسية محلية للانتقال نحو الاستراتيجية الإقليمية. إن التركيز على الأولويات الداخلية يجب أن يظل مستمراً للحفاظ على الازدهار الداخلي حياً. كما يجب الانتباه إلى عدم الانزلاق نحو التشتت وفقد التركيز والتوجه نحو معالجات سطحية في إدارة الأزمات في دول الجوار وتجاهل الأسباب الحقيقية وعدم تقديم الحلول الجذرية. وعلى هذا الأساس يمكن لتركيا أن تستفيد من عدة معطيات في صياغة وتصميم مبادرتها الاستراتيجية مثل:

  • السنة في العراق وهم الجزء الأضعف فيه لكنهم يمثلون حجر الزاوية في العراق فما من حل دائم يمكن أن يصمد دون موافقتهم.
  • جزء – معتبر -من الأكراد شمال العراق الساعين إلى إنشاء الدولة الكردية يرغبون في إقامة علاقات جيدة مع تركيا، على الرغم من وجود حزب العمال الكردستاني.
  • الحركة الإسلامية المعتدلة التي أثبتت أنها متجذرة في العالم العربي، وقد فازت في العديد من الانتخابات كما حدث في تونس، ومصر، والمغرب. وهم لاعبون رئيسيون في اليمن، وليبيا، والسودان، والكويت.
  • جزء كبير من الشعب العربي يدعم الموقف التركي وخاصة أردوغان الذي يتمتع بشعبية كبيرة، ليس فقط في العالم العربي فحسب بل في الأمة الإسلامية أيضاً.
  • معظم أطياف المعارضة السورية الذين أثبتوا مقدرتهم على الوقوف وتحدي النظام السوري على الرغم من الدعم الروسي والإيراني
  • العديد من علماء المسلمين الذين يمثلون كيانات إسلامية عديدة ومرجعيات دينية ذات وزن وثقل ومصداقية.

إن المبادرة الجيوستراتيجية المقترحة ضرورية لتركيا للوصول إلى نقطة التكافؤ الجيوستراتيجي مع اللاعبين الإقليميين. بعد الوصول إلى نقطة التكافؤ هذه يمكن تطوير فهم إقليمي مشترك بهدف تجنب مواجهة استراتيجية والاستفادة العادلة من الفرص الاستراتيجية المتاحة. ثم بعد ذلك التقدم نحو مرحلة الإدارة التكاملية للمصالح الاستراتيجية حيث يتمكن اللاعبون الإقليميون من إدارة مصالحه استراتيجية لوحدهم، وبعد ذلك الوصول إلى نقطة تكافؤ أخرى ولكن هذا التكافؤ سيكون مع اللاعبين الدوليين، لكي يستطيعوا تطوير مبادرات جيواستراتيجية إقليمية ودولية متماسكة.

بالرغم من الوضع الحالي بالغ التعقيد، إلا أن تركيا مع تحالفاتها المستقبلية ما تزال قادرة على لعب دورٍ مهم في تشكيل هذه النقلة الجيوستراتيجية وتحقيق الأهداف والنتائج اللازمة، آخذين بعين الاعتبار أنه وعند تنفيذ المقاربة الاستراتيجية قد لا تتناسب المخرجات مع المدخلات بسبب النمط غير الخطي للحالة المعقدة. لذلك على تركيا أن تكون مستعدة لتكيفٍ سريعٍ مع أية تطورات خلال هذه العملية لمواجهة الحالات المعقدة بطريقة مرنة وليست جامدة.

الخلاصة

يشهد الوضع العام في منطقة الشرق الأوسط تغيرات جيواستراتيجية عميقة نتيجة للربيع العربي وارتداداته في المنطقة، ونتيجة للتورط الإيراني الطائفي، والتدخل الروسي، والانكفاء الأمريكي عن المنطقة، وتعكس هذه الدينامية العالية تغيرات استراتيجية حقيقية على تركيا بشكل خاص.

كما تتعرض منطقة الشرق الأوسط لحالة من الاضطرابات والتعقيدات حيث تتدخل بها القوى العظمى ليس في سياساتها الإقليمية فحسب بل حتى في سياستها الداخلية. وبالرغم من ذلك فإن للقدرات الأمريكية والقوى الكبرى الأخرى حدودا لا تستطيع تجاوزها، مما يفسح المجال لطرح مبادرة جيواستراتيجية على مستوى المنطقة.  وبما أن تركيا حققت مستويات اقتصادية مميزة وتحاول جاهدة للوصول إلى استقرار سياسي داخلي، ووقفت بجانب الشعوب العربية، ولا تضع عقبات في وجه التعامل مع الحركات الإسلامية المعتدلة الجادة أو ما يسمى بالإسلام السياسي فإنها مؤهلة للتقدم بمبادرة استراتيجية للمحافظة على مصالحها الاستراتيجية ولتقود المنطقة نحو التوازن والاستقرار. وهذا يستلزم من تركيا تبني استراتيجية متطورة ومدروسة بشكل جيد من أجل تأمين مصالحها الاستراتيجية الخارجية، وتأمين حدودها، ولتكون جزءا معتبرا من أي معادلة استراتيجية تتشكل في المنطقة.

 

Turkey Prospective Geostrategy towards the Middle East

Dr. Wael Shadid

Strategist & Researcher

27th Jan 2017

Published in: academia.edu

https://www.academia.edu/31374527/Turkey_Prospective_Geostrategy_towards_the_Middle_East

Turkey Prospective Geostrategy towards the Middle East

Abstract

Turkey finds itself involved in the geostrategic events in the Middle East whether it is willing to or not. Historically, the Ottoman Empire was controlling most of what is now called the Middle Eastern countries. Geographically, it occupies a strategic position between Europe and Asia. It is the ceiling of the Arab countries from the north, and its coasts are extended from the black sea to the Mediterranean Sea. Moreover, it has long boarders with instable countries including Syria and Iraq, where both witness chaos and very complex internal situations; this chaos affects Turkey directly. On the other hand, it has boarders with Iran who is an active geostrategic player in the region trying to gain strategic interests by intervention and imposing itself as part of the formulated geostrategy in the Middle East. Turkey has no option but to involve itself in the geostrategic formula for its own strategic interests, to secure its boarders, and to prevent any escalated development towards the Turkish internal. Within the strategic dynamics in the region, Turkey is a promising geostrategic player who is well qualified to play a geostrategic role in the region.

This paper, utilizing descriptive and analytical approach, sheds the light on the geostrategic context in the Middle East, the international and regional players, and suggests features for a Turkish prospective geostrategic initiative towards the Middle East.

The strategic context in the Middle East

The Middle East encompasses the Arab Countries, Turkey, and Iran. This part of the world is witnessing turbulence, complexity, and very high dynamism. The Middle East Arab countries are under substantial revolutionary changes due to the Arab Spring and the anti-revolutions against it. Instability, uncertainty, chaos, and disorder are labels applied on the Arab countries that witnessed the Arab Spring such as Egypt, Yemen, Syria, Libya, and Iraq before that. In addition, there is the Palestinian issue that is the symbol of the Arab-Israel conflict. Moreover, some extremist Islamic organizations have been formed in this chaos such as ISIS that emerged as not only a local but also an international monster. This monster is the pretext that recalled USA and its alliances and Russia again to the region in order to put an end for ISIS expansion.

Turkey is surrounded from south and east by Syria, Iraq, and Iran; however, both namely Syria and Iraq are instable and are in a huge turmoil. Syria witnesses a complex internal conflict where the regime is supported by Russia, and Iran and its Shiite militants.  Whereas, Turkey and Saudi Arabia have their influence on some parts of the opposition. The USA intervenes in the Syrian conflict by considering Israel’s strategic interests and supporting the Kurds. Russia intervened in 2015 under fighting ISIS and terrorism as well. Turkey has interests that are opposes the Iranian one; while the United States has different concerns than the Russians. The Syrian problem reflects the conflict between the external actors more than reflecting the conflict between the internal players.

On the other hand, the situation in Iraq is also another complexity reflecting the conflict between Shiites supported by Iran, Kurds supported by the USA, and Sunnis without any external support. However, the Sunnis are not supported or backed externally as the Kurds and Shiites are. They suffer from internal disputes, and they are not able to fit themselves in a strategic position that reflects their real size. Whilst, the Sunnis are the true owner of the resistance against the occupation where they ultimately sacrificed and paid the price.

The Shiites reached their maximum power through ruling Iraq by the vast support of Iran and the consent of the USA. They have mobilized all their resources and capitalized all their potential. In fact, they have reached their ceiling which remains less than what is wanted to control all Iraq, and their maximum potential is not enough to govern Iraq even with the Iranian full support. Eventually, they failed to rule Iraq in a balanced way due to many reasons including their sectarian perspective, lack of experience, depending on numerous Shiite militants, the obsession of revenge from others, and the absence of the national soul  to unify Iraq. On the other hand, Kurds’ perspective is dedicated towards gaining more independence to creating their state. They utilize the Iraqi complexity to gain more benefits for themselves. Such situation may push Kurds to be involved in future conflicts with many actors such as Arabs, Turkmen, Shiites, and Iran.

Regarding the main historical conflict of the Middle East, which is the Palestinian question, Turkey’s stand has developed, in terms of shifting its stand towards the pro-Palestinian side; consequently, towards the Muslim nation’s hope. This contemporary stand has positioned Turkey in the heart of the Muslim Nation’s (Ummah) expectations and hopes regarding the liberation of Al Aqsa mosque, and the occupied Palestine. Accordingly, the popularity of Turkey and its leader Recep Tayyip Erdogan is rapidly increasing between Arabs and the Muslim nation as well. On the other side, the Palestinian people and their resistance has showed a solid and rugged attitude in facing the occupation brutal wars launched against them by Israel- especially in Gaza. This unprecedented and continuous Palestinian persistence through more than 70 years forms a concrete base for any geostrategic move; in other words, they form a winning bet for any serious geostrategic maneuver by Turkey.

The regional geostrategic Players

There are many possible geostrategic players in the Middle East region including Egypt, Saudi Arabia, Iran, and Turkey.  Egypt is living in turmoil after the coup and still instable; accordingly, Egypt is no more able to be an effective geostrategic player until this moment. On contrast, Saudi Arabia does not demonstrate any clear strategy in the area; instead, Saudi Arabia took aside against the “Political Islam”. In the past and until this moment Saudi Arabia refrains from supporting the Sunnis in Iraq while Iran does support the Shiites apparently. Also, Saudi Arabia does not show clear support for the Palestinian resistance; instead Saudi sided with the president Mahmoud Abbas who is seeking negotiation without any clear results. On the other hand, Saudi Arabia does not show any serious independent strategy regarding the Syrian problem whereas Iran supports the Syrian regime with all its capabilities. Accordingly, Saudi Arabia role on ground as an influential geostrategic player is limited.

Although Erdogan with his party were able to overcome the troubles that undermined the internal stability, Turkey is under an enormous test regarding its internal stability after the failure of the military coup. Turkey was conservative with its actions in the geostrategic space due to the lack of internal stability, lack of geostrategic vision in this complex environment, and because Turkey is still in a transformational stage. Therefore, Turkey leaders focused on the internal issues and stability more than the external events. However, after the failure of the military coup, the Turkish leaders realized that is impossible not to intervene in the external complex events mainly in Syria and Iraq. Taking an impartial stand will convey the problems inside Turkey, which is not immune from the external impacts. It is obvious that Syrian Kurds supported by the USA is going to establish a Kurdish state or zone southern of Turkey causing a huge panic for its geostrategic position; especially, in such complex external events occurring in the Middle East.

In fact, the most active geostrategic player in the region is Iran, which has a long history in intervening in the area since the days of Shah who played the role of a USA deputy policeman in the Gulf area. Iran considered Bahrain as part of it and invaded the three Islands of UAE (United Arab Emirates). The sense of expansion re-developed in Iran after the Islamic revolution when it tried to export it to other Islamic countries. The fever of expansion is back again under the term of “protecting the Iranian strategic interests”. Iran did not stop at this limit but exceeded to support Shiite parties in Lebanon and Iraq who became its arms in deploying its strategy and interests in the region. Moreover, it succeeded in penetrating Iraq after Sadam Husain and became the main director in the internal events inside Iraq. The situation in Iraq is exactly as Iran wants; a weak Iraq under Shiite government with poor Sunnis roles. It was able to exploit this situation in Iraq largely in order to fulfill its strategic interests in the area; at the same time, was able to achieve a significant penetration in Lebanon through Hezbollah. However, Iran intervenes in Syria directly by sending groups of its revolutionary guards to participate in the fighting against the opposition, and by pushing its arms from Shiite militants such as Hezbollah and Iraqi and Afghani Shiite militants to fight directly in Syria. In fact, Iran tries to impose its strategic interests by defending the Syrian regime that is used as an excuse to maintain its interests in the region. In Yemen, Iran supports Hothies, as well, to prove and deepen its interests in that area.  It exploits the state of instability and turbulence in attempt to expand its interests, prove its power, and widen its influence in the region. Consequently, Iran is seen as the regional most active player in the region.

The International geostrategic Players

The Middle East countries  are in the heart of the geostrategic interests of the United States, Europe, Russia, and China.The Middle East lies in a distinguished strategic position  and contains the most rich energy resources such as oil, gas, and green power in terms of wind and solar. Eyes are on the region all the time; and external stakeholders will not stop intervening in the area for different motives and goals. The Middle East countries are located in the stability belt of the United States and Europe (stability belt is the zone surrounding Russia and Eastern Europe).  These countries control important navy lanes and air corridors; and separate Russia from the warm waters. In addition, there is  the Arab-Israeli conflict that is influencing all the internal geopolitics of most the Middle Eastern countries, and influencing the external geostrategic moves in the region, too. Accordingly, the area is always under focus not only by the great powers, but also by the emerging powers as well such as China. Furthermore, there are many serious internal geopolitical problems in the Middle East countries including the absence of democracy, dialogue, tolerance, art of dispute, sectarian divisions national political problems, forced ideology, lack of common grounds in the same country, not accepting others’ opinion, exclusion and marginalization, misperceptions, evoking and calling to minds historical confrontations. These serious geopolitical problems generate difficult geostrategic issues and crisis, which leads to complicated strategic confrontations. Such geostrategic confrontations create easy access for international intervention in the region under the need of protection to achieve strategic equilibrium with other opponents.

The great powers have a variety of accesses to intervene in the geopolitics and the geostrategy of the Middle East countries. The access of protection- against other regional powers such as the case of some Arabian Gulf states who seek the United States protection against expected Iranian intervention in their countries. Another one is the access of possessing weapons to reaching a strategic equilibrium with other opponents in the area; that opens the doors widely for foreign geostrategic and geopolitical involvements. The economical access and the technological access to help in extracting the natural resources and developing the countries pave the way for these interferences as well where sovereignty principles are compromised. Exporting the Islamic revolution by Iran in 1979 to other Islamic countries has dramatically damaged the relations with Arabs. It also, activated the “access of protection” where some countries sought the USA’s protection against this move, and pushed themselves far away towards intensifying their security alliances with Washington. Another example for the protection access is the Russian role in Syria under the excuse of protecting the regime against terrorism; Russia now is in the heart of the complexity in the Middle East. However, Russia put itself in the Middle East map by force to share the United States in shaping the geostrategy of the region. However, the weak economy in Europe under the current economic crisis since 2008 contributes to reduce the capability of Europe to be very powerful in imposing its drive and desire upon the area as it used to be.

The Prospective Turkish Geostrategy

In this complex and turbulent external environment, Turkey can’t stand impartially without geostrategic moves. Even if it is willing to detach itself, the complicated events will end-up striking Turkey continuously; however, Turkey definitely has serious concerns in this dilemma.

Turkey’s External Concerns

One of the main concerns is the Iraqi Issue, which was the first to occur. Iraq as one of the most important countries in the region suffers an endless turmoil since 1990 up till now. The situation there is escalading and evolving towards complexity day after day. The American occupation, the demographic fragments, the internal disputes, the international and the regional interventions are complicating the Iraqi scene. Iraq’s complexity and ambiguity create an impact on many Turkey’s subjects such as the external policy, internal elements, the Kurds issue and economic relations. Turkey needs to gain enough information to manage the Iraqi issue consequences, and to avoid using massive force in solving problems resulting from Iraq. There are many fears including fears from dragging Turkey into the Iraqi vortex, worries from being distracted by crisis management approaches rather than real deep solutions, fears from Iranian exploitation of the Iraqi components to be deployed against Turkey, and concerns regarding the Kurds in the Iraqi side from utilizing PKK problem.

The second major concern originated from Syria in the form of the substantial number of Syrian refugees in Turkey accompanied by social, economic, and political negative consequences. The most emerging issue nowadays is the recent development where it supports the free Syrian Army to control nearby areas instead of Syrian Kurds groups who aim to form a Kurdish free area south of Turkey. Also, the hostility that is confirmed between the old Syrian regime and the Turkish government which may lead to hostile actions from the Syrian regime inside Turkey, or utilizing some of the Alawies sect inside Turkey in disturbing the internal peace and security. Conversely, Iran tries to impose certain circumstances to serve its strategic goals inside Syria causing negative outcomes on the Turkish strategy in the future. Moreover, Russia has the long hands in Syria causing serious impact on Turkey’s external strategy and its geostrategic position. In addition, the Syrian problem and its fallouts is being used by the USA to fulfill some of their interests inside Turkey putting more pressure on Turkey.

The third important concern is the Palestinian problem and the Israeli inflexibility. In fact, this concern is apparent because the leaders of the governing party consider it a religious duty to stand for Al-Aqsa issue and backing the deserted and helpless people in Palestine. The Israeli stubbornness led to the killings of many Turkish on the board of humanitarian aid ship, which led to a serious political dispute between Turkey and Israel. Therefore, this continuous conflict in Palestine affects the Turkish strategy as well, and will have its shadow on the external Turkish politics.

The Geostrategic Context Regarding Turkey

The changing process in the region is not separated from the surroundings and no doubt that the neighboring  countries are being influenced directly. In the mid of this complexity, Turkey finds itself engaged not because it is willing to be involved but because involving is imposed on it due to its Geographic position, international requirements, humanitarian responsibilities, and Islamic duties. Turkey has no choice but to be involved in this regional geostrategic formulation since the outcomes of this external turbulence will be negatively projected onto the Turkish internal social and political components. Not only this, but it will find itself circled by other countries’ geostrategic interests causing Turkish strategic interests to be eroded accordingly.

Although Turkey hoped for zero external problems at the beginning but reality imposed huge external events, which makes Turkey facing a very complicated geostrategic situation that necessitates a quick adaptation and defining of its geostrategic position. Otherwise Turkey risks drifting down to an oblivion if it remains adopting a status queue strategy. From astrategic point of view, maintaining the status queue in a complex environment will empower the competition force and the strategic regression force to push the entity down towards the point of no return.

On the other hand, the other competitor, Iran, has lunged impulsively in the area to maintain its strategic interests to the extent where it became difficult to develop an understanding with it to calm the region, and it will be difficult to stop the Iranian interests’ expansion from affecting Turkey externally and internally. Specifically, it is clear now that the Iranian interests are opposing the Turkish interests in the region, not only in Iraq but also in Syria. The Iranian lunging is another motivation for Turkey to be part of the geostrategic formula in the region rather than being an observer.

Although Iran is one of the main players, it suffers from the complexity not only in Iraq and Syria but also in the region as a whole. It involved itself in Iraq largely, and then it involved itself in Syria, and in Yemen that indicates that Iran is sinking now in three black holes. Iran, at the same time, is suffering from economic sanctions, and spending a lot on its nuclear and missile projects, which badly consumes its national income. Thus, sinking in black holes accompanied by economic sanctions indicates that it is not easy to carry out four heavy burdens together: Iraq, Syria, Yemen, and the nuclear program. Accordingly, Iran is prone to a paramount of difficulties in its geostrategy plan under these conditions or it is going to pay a very heavy price to sustain its interests, which will seriously threat its internal economic, social, and political situation.

In addition to the abovementioned concerns, there is the Russian interests in the region, which emerged in September 2015. In fact, Russia did not intervene in Syria to enhance the Russian local political status; neither had it intervened for economic gains. Russia intervenes heavily in Syria for geostrategic purposes. It wants to replace the American disengagement in the region to return its legacy and to utilize it in the Ukraine problem. Accordingly, Russia now is an active factor affecting Turkey’s external strategic position.

From Turkey’s perspective, many serious concerns can be depicted including: the echo of Syrian internal confrontation on it, problems created by the Syrian regime against Turkey, Syrian refugees’ consequences, Iraqi turmoil impact, and Israel exploitation of the turbulence in the region. In addition, the USA negative role, the Iraqi and Syrian Kurds issue, the existence of Russia in Syria and its alliance with Iran, the sectorial trend of Iran in the region, the PKK problem, and the consequences of the military coup.  Consequently, the engagement in the geostrategic environment might be imperative to protect Turkey from external interventions, hinder external dangers expansion, and reserve its interests in the region.

Such trend necessitates that Turkey has to own geostrategic powers and tools first before conducting any serious engagement. In the middle of this complexity and in spite of the well-known threats and obstacles, many opportunities emerge which can be utilized by Turkey to form its prospective geostrategy. Regional and international players are not sure about their next step giving the opportunity for Turkey to find out its way in depicting its strategy. All games, maneuvers, alliances, and intentions are known and open; nothing is concealed so the game is easy to understand. The complexity conditions in terms of unpredictability and uncertainty apply to all actors so all are equal under this term. Dramatic changes are expected which will affect all actors but the least affected actor will be the one more prepared. As Iran has arms operating on ground, Turkey can form alliances in the area in order to have arms that can operate on ground as well. Its stand towards the Palestinian issue has created a considerable popular support within the Arabs and Islamic countries. A nucleus of political alliance, which includes Qatar, Saudi Arabia, and other local active actors, can be developed.

Turkey can develop a geostrategic initiative towards the Middle East instead of adopting the status queue to avoid negative impacts on it.   This initiative will approve Turkey as a main player in the region instead of leaving the playground for others to impose their strategies and interests. In addition, filling the regional strategic vacuum will prevent other regional players from intervening alone in the area or affecting the Turkish interests. Moreover, the geostrategic initiative assists in achieving equilibrium in the political regional relationships, Opening new political cooperation with new expected entities and governments, allowing to performing and practicing an ethical role, and supporting the Sunnis majority to redeem their solid role in the regional stability and peace.

Features of the Turkish Prospective Geostrategic Initiative

Since there is a serious strategic vacuum in the region, Turkey has to have major portion of it; otherwise, this vacuum will be totally filled in by other players. This vacuum does not only attract the supreme foreign powers, but also the emerging powers in the region such as Iran and China. USA under Obama era was in retroversion stage towards the Middle East depending mostly on its alliances in performing its interests and policies in the region. Accordingly, the Turkish geostrategic role is well recognized by the USA and Europe, especially, there is a limit to the United States power and ability to overcome future geostrategic changes in other regions. However, changing the geostrategic map requires a comprehension of the geostrategic situation, defining the needs of the supreme powers, and recognizing the regional abilities and limitations. At the same time, Turkey has plausible economic potentials, natural resources, and represents one of the Islamic pillar groups (Arabs, Turks, and Persians). Thus, Turkey is well qualified to go a step towards adopting a serious and logical geostrategic initiative.

The Arabs, who are the weakest in the geostrategic context, are required to do the same. But the problem with the Arabs is that they do not have one single representative as others which leaves them without unity, making them vulnerable, and easy to be manipulated by external powers. In contrast, the Arab nation in most Arab countries are facing a severe changing process in their countries in what is called the “Anti-revolutions” against the “Arab spring”, and they have paid and are still paying a very high costly price to achieve the change. Hundreds of thousands have been killed in this tough process. This situation has put more pressure on Turkey to lead the geostrategic changes in the region until the Arab nation (the prospective alliance to Turkey) recovers from the consequences of this severe changing process.

In advancing toward the prospective geostrategic initiative, some determinants regarding Turkey should be noted including (but not limited to) the internal stability in terms of the social cohesion, the decent economic situation, and the political stability. Of course, stability does not mean zero problems but it means that problems are to the minimal and there is a reasonable coherent internal base. Also, the process of geostrategic changes requires support from the Turkish public, and requires developing a positive local geopolitical factors with a clear vision in order to take the next leap towards the regional strategy. The focus on the internal priorities should be continuous to maintain the internal prosperity alive all the time. In addition, Turkey does not want to be distracted by crisis management approaches in any neighboring country and ignoring the root causes and real deep solutions.On ground, Turkey can utilize from many external components to formulate and design its geostrategy such as:

  • The Sunnis in Iraq who are the weakest part in Iraq but they represent a corner stone in Iraq, where no permanent solution can stand without their consent.
  • The Kurds in North Iraq who are aiming to establish the Kurdish State but at the same time willing to have good relations with Turkey despite the existence of PKK party.
  • The moderate Islamic movement, which is a main player in the Arab world and had won many elections as in Tunis, Egypt, and Morocco.
  • The reputation of Erdogan who has large popularity not only in the Arab world but in the Islamic nation as well can establish to public alliances.
  • Most of Syrian opposition spectrum that proved their ability to stand and challenge the Syrian regime.
  • Many of the Muslim scholars who represent the religious entities.

The suggested geostrategic initiative is needed for Turkey to reach the point of geostrategic equilibrium with the regional players. After reaching this point of equilibrium, common regional understanding can be developed in order to avoid geostrategic confrontation and to fairly exploit the strategic opportunities. Then, reaching the stage of geostrategic interests’ integration management where regional actors can manage their geostrategic interests and needs. Finally, the regional actors can reach another point of equilibrium, but this equilibrium will be with the international actors to be able to develop geostrategic regional initiatives.

Although it is a very complex situation in a very complicated area, Turkey accompanied by its prospective alliances, can play an important role in forming this geostrategic move. Taking into consideration while implementing the strategic approach, the outputs might not be proportional to the inputs due to the non-linearity type of the complex situation; therefore, Turkey has to be ready for quick adaptation to any developments to face the complex situations in a flexible style not a rigid one.

Conclusion

The current era in Middle East witnesses serious geopolitical changes due to the Arab spring and its waves in the region, Iran sectarian involvement, Russia serious intervention, and USA disengagement. This dynamic situation reflects serious geostrategic changes on Turkey specifically.The Middle East region is facing a complex and turbulent environment where supreme powers intervene not only in the geopolitics of each country, but also in the geostrategy of the region as a whole. However, the United States power has a limit that they cannot go beyond which opens the doors to propose geostrategic initiatives at the regional level.

Turkey has achieved good economical levels and thriving to be politically stable. It is well qualified with its prospective alliances to be a major geostrategic player and to propose a strategic imitative to maintain its strategic interests, and lead the region towards equilibrium. However, Turkey has to adopt a new well-developed and well-calculated geostrategy in the region to secure its strategic interests, its boarders, and to be part of any new geostrategic formula.