حرب مع إيران… أم لا حرب مع إيران A war with Iran … or not a war with Iran

د. وائـل شـديد

استراتيجي وباحث

28/5/2019

حرب مع إيران… أم لا حرب مع إيران

A war with Iran … or not a war with Iran

ملخص

في الآونة الأخيرة ارتبكت المنطقة بالتصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ووصلت الأمور إلى حد التوقع بحدوث حرب بين الطرفين، وبعض المحللين اسْتبعد الحرب بينهما ولكلِّ رأيه وتحليله. لقد شّوَّشّتْ التحركات الأمريكية العسكرية الأخيرة في الخليج العربي على المشهد الجيوستراتيجي الحقيقي كمن أطلق قنبلة دخان فَفُقدت الرُّؤية وحدث الارتباك. وفي هذا المقال سنحلل الأمور من البعد الاستراتيجي ومن زوايا عدة منها: إيران والغرب، وماذا تريد أمريكا من إيران، وزاوية الاستراتيجية الأمريكية تجاه إشعال حرب معها، وزاوية الموقف الإيراني من الحرب. كما سيتم تحليل المحركات الأساسية التي تدفع الأحداث في المنطقة وأوزانها لمحاولة التنبؤ باتجاهات واحتمالات نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

كلمات مفتاحية: إيران، محركات استراتيجية، الإسلام السياسي، المتشددين الأمريكيين، الثورة الشيعية، مصالح اقتصادية، مكاسب استراتيجية، الأقليات، الدعم الغربي

بداية هناك موقف غربيّ من الإسلام السياسي، تطور هذا الموقف بشكل واضح وظهر في فترة الربيع العربي ومازال إلى الآن، ليصبح حقيقة ماثلة في تعاملات الغرب مع الربيع العربي وثوراته، وهو: أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية يقفون ضد وصول الإسلام السياسي لسدَّة الحكم، والتعاون مع من يتخذ نفس الموقف من قوى المنطقة من أجل تثبيت تلك الحقيقة.

ولكن من الملفت للنظر أنّ الغرب وأمريكا لم يتخذا هذا الموقف ضد الثورة الشيعية الإسلامية الإيرانية، بل انطلق الإمام الخميني من باريس إلى طهران دون أية ممانعة بل بتسهيل ذلك الانطلاق. كذلك قامت إيران برفع شعار” تصدير الثورة للخارج” وعملت على ذلك وخصوصا في دول الجوار كالعراق ودول الخليج، ولم يتخذ الغرب موقفا حازما ضدها كما فعلت مع الربيع العربي السني. أيضا تغلغلت إيران في العراق ولا يكاد يوجد قرار عراقي استراتيجي يصدر دون الموافقة الإيرانية، بل شكلت إيران ميليشيات عسكرية أفغانية وباكستانية وعراقية ولبنانية وسورية ويمينية ودعمتها بالسلاح والمال دون أن يحرك الغرب ساكنا أو ينتفض غضبا كما انتفض ضد الربيع العربي وضد الإسلام السياسي السني. وما موقف أمريكا والغرب من انتخابات إندونيسيا قبل أشهر ببعيد. ثم إن الغرب بدا متعاونا من الناحية الاقتصادية مع إيران خصوصا ألمانيا وفرنسا وغير ذلك من الدول الأوربية منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران وإلى الآن. صحيح أن أمريكا فرضت عقوبات في المدة الماضية وخصوصا بعد البرنامج النووي الإيراني إلا أن الغرب ظل متعاطفا ومتعاونا مع إيران في التحايل على العقوبات الأمريكية وفي تسهيل الوصول للاتفاق النووي.

وفي المقابل فإن الإيراني استطاع أن يَنْفَذَ بذكاء إلى المنطقة العربية تحت مظلة دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي سواء للمقاومة اللبنانية أو الفلسطينية. وقدمت إيران مساعدة هائلة لحزب الله اللبناني الذي وقف نِدا لإسرائيل في حرب 2006 ووقف العرب والمسلمين السنة داعمين لحزب الله في تلك الحرب، وكأن المقاومة ضد الاحتلال توحِّد الجميع، وكذلك فعلت في دعمها للمقاومة الفلسطينية أيضا.

كل ذلك وضع إيران في تموضع يبدو متناقضا بين دعم غربي لمصالح اقتصادية بينه وبين إيران، وتأييد غربي للموقف الإيراني في المواقف السياسية في العراق وسوريا، وعدم وقوف الغرب بحزم تجاه الإسلام السياسي الشيعي، وتقبله بشكل عام التّغلغل الإيراني في الوطن العربي مع بعض الاعتراضات غير الجادة بين الفينة والأخرى، وفي نفس الوقت تقف إيران بشكل واضح جهارا نهارا في دعمها للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

إذا ما مساحة الارتكاز التي تجعل الموقف الغربي والموقف الإيراني يبدو متناقضا وفي نفس الوقت يبدو متعاونا؟

تتقاطع العلاقة الإيرانية مع الغرب والولايات المتحدة في مساحة مشتركة تتكون من أربعة محركات حاكمة: الأقلية والمصالح الاقتصادية والمكاسب الجيوستراتيجية والعلاقة مع إسرائيل. حيث تتفاعل هذه المحركات مع بعضها ولكن بأوزان مختلفة. فتارة ما يكون وزن المصالح الاقتصادية أعلى من غيرها وتارة ما تكون المكاسب الجيوستراتيجية هي الأعلى وزنا وهكذا دواليك.

مع العلم أن هناك محركات داخلية في كل بلد تتفاعل هي الأخرى داخليا، ولكنها تصب في النهاية في أحد المحركات الأربعة الحاكمة. فالتيار المتشدد في أمريكا يدفع باتجاه توجيه ضربة عسكرية لها بسبب دوافع دينية لتثبيت إسرائيل ضمن تصورات المسيحية الصهيونية، وهذا المحرك الداخلي يصب في النهاية في المحرك الأساس الرابع وهو العلاقة مع إسرائيل.

إن سلوك قوى الاستعمار يشي باستغلال الأقليات الدينية أو العرقية في نشر التفرقة من أجل إحكام سيطرتها على الدول. وهذا لا يعني أبدا أن كل أقلية أو أفراد الأقليات متعاونون مع قوى الاستعمار، وإنما يكونون مستهدفين من قبل هذه القوى أكثر من غيرهم. ولما كان الشيعة أقلية دينية في دول العالم الإسلامي السني أصبحوا هدفا ليس فقط لقوى الاستعمار ولكن أيضا من قبل إيران ذاتها بحجة الدفاع عنهم. كما أن إيران تصبح هدفا لقوى الاستعمار من أجل ابتزاز الدول الإسلامية الأخرى، وذلك يمكن أن يتم بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

 كما أن محرك المصالح الاقتصادية من العوامل الهامة جدا في مساحة التقاطع بين إيران والغرب خصوصا وأن إيران دولة مصدرة للنفط والغاز ودولة مستهلكة للعديد من المنتجات الغربية في نفس الوقت. وهنا يَحسُن الفصل بين الغرب متمثلا في الدول الأوربية وبين الولايات المتحدة الأمريكية في مساحة التعامل الاقتصادي، حيث أن الغرب له علاقات اقتصادية وطيدة مع إيران خصوصا ألمانيا وفرنسا، بينما أمريكا تمارس مقاطعة اقتصادية ضدها منذ عقود.

أما المحرك الثالث وهو: المكاسب الجيوستراتيجية؛ فهو المساحة التي لا تمارس فيها أمريكا مقاطعة مع إيران بل تتبادل هي والغرب المناورة مع إيران لتحقيق المصلحة لكل منهم، وهو المحرك الذي يولد الضبابية في حقيقة العلاقة بين إيران وأمريكا. في حين أن العنصر الرابع وهو العلاقة مع إسرائيل تتولى زعامته الولايات المتحدة أكثر من غيرها وهو محرك يظهر بين الحين والآخر لِلْعلن وتارة ما يكون خفيا، لكنه عامل حاكم في العلاقة الإيرانية الأمريكية حيث تسعى أمريكا لتوفير الحماية والطمأنينة لدولة الاحتلال.

 إن فحص هذه المحركات الأربعة يسهل على المحلل استنتاج واستنباط طبيعة العلاقة والنتائج المتوقعة من كل مناورة غربية أو أمريكية مع إيران. وينبغي الفصل بين المناورات الغربية والأمريكية والإيرانية فكل مناورة لها محركها الأساس غير المناورة الأخرى.

وبالتالي قد يكون محرك حماية إسرائيل نشطا في موقف أو مناورة ما ويبدو للناظر أن الأمر سيتعقد مع إيران، ولكن في المقابل يكون محرك تخويف دول الخليج بعصى الأقليات الشيعية وسطوة إيران من أجل انجاز صفقات سلاح بمليارات الدولارات هما الأكثر نشاطا. وهذا ما يفسر الضبابية في العلاقة، ولكن الأصل هو النظر إلى المحرك الأكثر نشاطا من المحركات الأخرى حتى يُفهم الموقف بدقة وتوقع اتجاه المناورة.

وبإسقاط ذلك على التصعيد الأخير في الخليج، وما واكبه من تحريك قطع عسكرية وبوارج حربية نجد أن المحركات الأربعة جميعا قد اشتغلت معا مما ولد ضبابية عالية في توقعات المشهد ولكن لما كانت هذه المحركات الأربعة تتحرك بأوزان مختلفة، فإن على المحلل أن يتنبأ ويُحدد أي المحركات أعلى وزنا وبالتالي أي المحركات سيقود المشهد.

لقد تحرك محرك الأقلية والتخويف من إيران لتهيئة الجو، وطلب الحماية الأمريكية رسميا للتدخل وحماية مسارات النفط. وانخفض المحرك الاقتصادي تجاه إيران وضغطت أمريكا على الغرب من أجل وقف التعاملات التجارية معها بحجة انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية مع إيران. وفي المقابل ارتفع المحرك الاقتصادي باتجاه دول الخليج التي ستتدفع التكلفة وتنجز المزيد من صفقات السلاح. ونشطَ محرك العلاقة مع إسرائيل باعتبارها مُشعِلةٌ للحرب وترغب بتوجيه ضربة لإيران، ونشط المحرك الداخلي الأمريكي المرتبط بالمسيحية الصهيونية، ولكن هذا المحرك عادة ما يهدأ نشاطه العلني في مثل هذه المناورات، ليتم التركيز على الضربة بدلا من التشويش عليها.

ولكن المحرك الأكثر وزنا هو المحرك الجيوستراتيجي الذي لا يريد أن يوصل الأمر لحالة الحرب، فالابتزاز المالي لدول الخليج مستمرٌ ولم ينقطع ومحرك الأقلية يقوم بالمهمة دون الدخول بحرب لا يُعرف كيف ستنتهي، وخصوصا أن ترمب أعلن بشكل واضح في الرياض أنه لن يقاتل نيابة عن دول الخليج، وأن عليها أن تدفع مقابل حمايتها. كما أن هذا التصعيد قد يعيد إيران لطاولة المفاوضات مع أمريكا حيث يتوقع ترمب أن يعيد تشكيل الاتفاقية كما يراها هو لا كما يراها الأوربيون، تماما كما فعل بإعادة اتفاقية النافتا مع كندا والمكسيك، وكما يحاول مع الأوروبيين والصين لتغيير بعض الاتفاقيات التجارية.

وعليه فليس من المصلحة الاستراتيجية الأمريكية حتى هذه اللحظة أن تندفع في حرب مع إيران، ولكنها تحاول التهويش من أجل تحقيق مكاسب جيواستراتيجية في المنطقة بإعادة تشكيل الاتفاق النووي مع إيران ومحاولة الضغط الاقتصادي عليها لتغيير النظام (أو تغيير سلوكه حسب التعبير الأمريكي) أي بمعنى آخر إعادة بعض الترتيبات في المنطقة.

وفي المقابل لا يوجد أدنى مصلحة إيرانية في الانجرار نحو حرب مع الولايات المتحدة إذ إن الكلف ستكون باهظة جدا. ولما كانت القيادة الإيرانية ذات قدرة على المناورة وتمتلك رصيدا رادعا من القوة العسكرية، فإنها تناور مع الولايات المتحدة في مجالات الردع وتوجه رسائل واضحة من خلال الأذرع التابعة لها، ولسان حالها يقول هذه مجرد بدايات فكيف إذا وقعت الواقعة.

خاتمة

هل احتمالية الحرب قائمة؟ مما لا شك فيه، فإن البيئات المعقدة والمضطربة يمكن أن تتطور وتنزلق فيها الأمور للأسوأ نتيجة حدث صغير قد لا يبدو مهما سواء بسبب سوء الحسابات أو الخطأ في التقدير أو التهور أو حتى نتيجة تدخل طرف ثالث. كما أنه في حالة ارتفاع وزن محرك حماية إسرائيل مدفوعا بتوجه المتشددين في الإدارة الأمريكية المنطلق من معتقدات دينية، فإنه من المحتمل الانزلاق لهاوية الحرب أيضا. خصوصا ان مجالات سوء التقدير أو تدخل طرف ثالث أو توفير المبرر للمتشددين الأمريكيين متوفرة وبكثرة نظرا لتعدد ساحات التداخل والاحتكاك من الخليج واليمن إلى العراق إلى سوريا. لكن وفي جميع الاحتمالات سواء الحرب أو عدم الحرب فإن الخاسر الأكبر هي دول الخليج العربي لا سيما في ظل الانقسام الحالي.